الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من محاضرة: دروس رحلة فتح المجيد
والعبادة تكون بثلاثة أركان:
1- الحب.
2- الخوف.
3- الرجاء.
وهذه الآية تضمنت أركان العبودية، فهم يحبونه ويبتغون إليه الوسيلة أيهم أقرب، وهذا هو الحب.
ويرجون رحمته، وهذا هو الرجاء.
ويخافون عذابه، وهذا هو الخوف.
فهذه هي أركان العبادة الثلاثة: الحب والخوف والرجاء.
والسلف الصالح لهم كلمة عظيمة في من يعبد الله بشيء ويترك بقيتها، أي: الذي يأتى بركن من هذه الأركان الثلاثة، ويترك الأركان الأخرى.
الركن الأول: الحب
فقالوا: ' من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ' كما قالت اليهود والنصارى: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18] فيقول الزنديق: أنا أحبه، وإذا أحببته وأحبني، فإن الحبيب يعفو عن حبيبه، ومهما أخطأ الحبيب على حبيبه فإنه لا يؤاخذه.
فيستحل المحرمات ويقول: نحن نعصي الله ونحبه -تعالى الله عما يقولون- فهم لا يخافون عذابه ولا يرجون رحمته، ويقولون: نحن لا نعبده من أجل الجنة أو من أجل النار، ويقولون: أنتم تجار، تعبدونه من أجل الجنة والنار، أما نحن فنعبده لذاته -محبة فقط- فهؤلاء زنادقة، لأن الأنبياء والرسل عبدوا الله بالثلاثة.
الركن الثاني: الخوف
' ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري ' ومعنى حروري أي خارجي، لأن الخوارج كانوا في مدينة إسمها حروراء قالت عائشة رضي الله عنها، لما سئلت{ : لِم تقضي الحائض الصيام ولا تقضي الصلاة: قال
أحرورية أنت؟ } فهذا هو مذهب الخوارج بدع وابتداع، أي: تريدين أن تقيسي بعقلك وتقضين الصلاة أيضاً؟! فهذا ديننا، والدين لا نسأل فيه ولا نجادل، فالذين عبدوا الله بالخوف هم الخوارج فكانوا يقومون الليل، ويصومون النهار، ويقرءون القرآن، وكانت عبادتهم كما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصحابه: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وقراءتكم إلى قراءتهم } فعندهم خوف فقط، ولا يوجد رجاء، أو محبه، فلم ينفعهم ذلك، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية } إذا رميت الرمية واخترقها السهم وخرج منها.
فهم خرجوا من الدين ومرقوا من الدين.
الركن الثالث: الرجاء
' ومن عبد الله بالرجاء وحده، فهو مرجئ ' وهذا حال أكثر الناس، وإن كان لا يعرف معنى الإرجاء، لكن حاله يدل على ذلك، فتجده يقول: الله غفور رحيم، ونحن من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلما تنصحه في شيء يأتيك بالرجاء، أما والخوف -الله شديد العقاب- فهذا لا يريدونه، والنار لا تذكرها، حتى أن بعضهم بلغت به الوقاحة والسوء، أن يقول: إنه عندما نعلم الأولاد -وهذا كتب في الجرائد- في المرحلة الابتدائية القرآن فيقرءون: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1]... وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [المسد:4] ثم يقول المدرس: هذا في النار، يقولون: إن هذه تخيف الأطفال، فهم لا يريدون ذكر النار، فتجدهم يقولون: نحن مسلمون ومتمسكون، والإسلام عقيدتنا وشريعتنا... ومن هذا الكلام، وكأننا لم ننقص عما كان عليه الصحابة، إلا أنهم رأوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن لم نره، فكل أعمالنا شرعية، وأي عمل يعمله الواحد ليس فيه أي خطأ أو قصور، وبعض العلماء يقولون: الدين يسر لا تتشدد فيه.
فهؤلاء يعبدون الله بالرجاء فقط، وينسون الحب، ولو أحبوه لخافوا منه، ولو أحبوه لاستحيوا منه، لأن ' الحياء حياء المحبين' كما يقول ابن القيم رحمه الله، فإذا أحببت أحداً فإنك تستحي منه أن يراك على شيء لا يعجبه، فكذلك لو أحبوا الله عز وجل لاستحيوا منه، ولما جاهروه بالمعاصي.
إذاً نكون -بإذن الله- قد بينا ما في هذه الآية من دحض لشبهة المشركين، وبيان لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وأنواع التوسل الثلاثة، وأركان العبادة الثلاثة التي اشتملت عليها الآية، وهي آية عظيمة، وكل كتاب الله عظيم، ولو أننا توسعنا في أي آية من كتاب الله، وأخذنا ما فيها من العبر والفوائد، لطال المقام وضاق الوقت.
ولذلك نطلب من أنفسنا ومن إخواننا -دائماً وأبداً- الرجوع في المواعظ إلى المواعظ القرآنية، لا إلى الأمثال والحكم وإن كانت تنفع، لكن نجعلها تكميلاً وتحسيناً، والرجوع في العقيدة إلى كتاب الله تبارك وتعالى، وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والرجوع في الأحكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففيهما البيان والهدى والشفاء والموعظة.